0
تستعد السعودية، اكبر مصدر للنفط في العالم، لمواجهة تغييرات قد تكون جذرية. ولذلك فإن اي شيء يحدث في السعودية قد يدفع بالاسعار صعودًا.

يتخوف كل من باولو سكاروني، نائب رئيس NM روتشيلد، والمدير التنفيذي السابق في شركة النفط الايطالية العملاقة ENI SPA، وجيف كوري، من تأثير التغييرات المتوقعة في السعودية على انتاج النفط .

داخليًا، تشهد السعودية على الصعيد الاقتصادي اعادة تموضع تواكبها ورشات عمل لا تهدأ مع العلم إن الخبراء الاستشاريين معظمهم أجانب وليس لديهم الكثير من المعرفة في المملكة.

تعتمد الخطة السعودية جزئيًا على جذب المستثمرين الاجانب والامر المهم اقتصاديًا هو ان النفط يعتبر احد الاعمدة الرئيسية في اقتصاد السعودية وحجر الزاوية في التنمية الداخلية والمصدر الرئيسي للعائدات.

والتصريحات الاخيرة لصندوق النقد الدولي تفيد بأن عائدات النفط تمثل وحدها ٧٥ بالمائة من صادرات البلاد و٧٢ في المائة من الدخل المالي. مع انخفاض اسعار النفط في العام ٢٠١٤ تبين بشكل فظيع اعتماد المملكة عليه لا سيما وان ايرادات التصدير انخفضت بشكل كبير وتدهور اقتصاد السعودية تدهورًا سريعًا.

هذه التغييرات دفعت بالرياض الى اتخاذ اجراءات تقشفية واعلنت عن رؤية ٢٠٣٠ وهو برنامج يهدف الى توجيه الاقتصاد السعودي بعيدًا عن الاعتماد على النفط وترشيد الانفاق وتطوير مصادر الايرادات غير النفطية وتنويع الاقتصاد، والاهم من ذلك زيادة اسهام القطاع الخاص في الناتج المحلي الاجمالي الى حوالي الثلثين.

والاهداف الرئيسية لرؤية عام ٢٠٣٠ يمكن تقسيمها الى ثلاث فئات رئيسية:


١- التنويع الاقتصادي
٢- تحسين بيئة الاعمال
٣- الاصلاحات المالية والاقتصادية والاجتماعية.

وعلاوة على ذلك يهدف البرنامج الى زيادة مصادر الثروة الوطنية وتنويع محفظتها الاستثمارية في البلاد والخارج ورفع قيمة اصول صندوق الاستثمارات العامة من ٦٠٠ مليار ريال سعودي الى اكثر من ٧ تريليون ريال سعودي، وقد تكون ارامكو احد سبل هذا الرفع من خلال الاكتتاب العام، كذلك بيع بعض الاصول الحكومية. وتتجه الانظار حاليًا للطرح العام لارامكو السعودية التي من المتوقع ان تجري في العام الجاري.

هذه العملية هي المحور الرئيسي في رؤية ٢٠٣٠ سيما وان الرياض تتوقع ان تكون قيمة ارامكو حوالي ٢ تريليون دولار اميركي. لذلك، فان بيع نسبة ٥ بالمائة من اسهم الشركة قد يأتي بما مقداره ١٠٠ مليار دولار اميركي وتحقيقًا لهذه الغاية خفضت السعودية التزامات ارامكو الضريبية في آذار ٢٠١٧ من ٨٥ بالمائة الى نسبة ٥٠ بالمائة على امل زيادة قدرتها على اجتذاب المستثمرين الاجانب.

يبدو حاليا، ان الحكومة تتحضر لاعلان تدابير اضافية لتحقيق هدفها. وحسب مصادر سعودية فان الايرادات هذه ستساعد على تطوير الصناعات الاخرى في المملكة.

ولا بد من القول ان بيع جزء من اسهم شركة ارامكو يلقى بالتأكيد اهتمامًا دوليًا، والمستثمرون الأجانب يراقبون عن كثب سير هذه العملية برمتها، واي تأخير في ادراجها سوف ينعكس سلبًا اذ انه سوف يخلق حالة من عدم اليقين ويؤثر سلبًا على برامج الخصخصة في المملكة.

وفي المطلق، المخاوف لا تقتصر على ارامكو بل على اداء الاقتصاد السعودي بشكل عام والمحاولات الرامية الى زيادة فرص العمل ورفع مستوى معيشة السعودية كذلك مخاطر زيادة الضغط المالي على الريال السعودي.

لذلك نرى ان التحديات كبيرة اقتصاديًا وسياسيًا لا سيما وان رؤيا 2030 ضرورية و تعتمد كثيرأ على حلول سريعة بدلاً من التحول التدريجي، أضف الى ذلك أن امكانية انقاذ أسعار النفط تبدو ضئيلة للغاية . مع العلم ان الخطط السابقة، سيما 2020 باءت بالفشل رغم الجهود الكبيرة التي بذلت لأنجاحها.

والصورة تبدو مرحلياً قاتمة والمقابلات التي حدثت مع العديد من المستثمرين و رجال الأعمال تظهر الى حد بعيد ترنّح العمل في المملكة مع تخفيضات الأنفاق الحكومي بعد أنهيار أسعار النفط و إيقاف المدفوعات للمقاولين الأمر الذي زاد الصورة تشاؤماً.

لذلك تبدو الأمور في الوقت الحاضر أقل تفاؤلاً إذ إن هنالك سباق واضح بين التقشف مع ما يتأتى عن ذلك من هبوط معدلات أنفاق المستهلكين والبطالة التي أصبحت بمستويات كبيرة تعدّت الـ20 مليون سعودي ومعظمهم تقل أعمارهم عن الأربعين عاماً، ووقف المدفوعات الأمر الذي قوض ثقة المستثمرين ورجال الأعمال في المملكة العربية السعودية.

وتبقى التحديات الأكبر و التي هي مواصلة السعي الى إجراء اصلاحات تتيح للمملكة تحديث اقتصادها فى المستقبل، لتمكينه من مواجهة العراقيل التي قد توضع في وجهه وتنفيذ الرؤية 2030 وتوحيد مسارها.

الأمر الأكيد إن لا شيء يمنع السعودية من أن تدرج فى مؤشر "ام اس سي اي" للاسواق الناشئة فى العام المقبل، بما سيساعد على اجتذاب المستثمرين الى السعودية. هذه الاستثمارات الاضافية قد تصل الى اكثر من 9 بليون دولار في السنة وتكفي لتمويل العديد من المشاريع الطموحة.

في كل الاحوال، تبدو الأمور أكثر وضوحاً الأن ويساعد في ذلك نية وجدية المسؤولين السعوديين في إحداث هذا التغيير.

"الجمهورية" - 23 شباط 2018

إرسال تعليق

 
Top