0
رغم الطابع الأمني لعملية تفجير سيارة مفخخة في مدينة صيدا، ظهر أمس، وارتباطها على الأرجح بضرباتٍ متبادَلة في إطار صراع "الأذرع الطويلة" بين الاسرائيليين والفلسطينيين، فإن الدخان الداكن الذي دَهَمَ المَشهد اللبناني من عاصمة الجنوب عزّز المخاوف المتزايدة من مفاجآتٍ قد لا تكون في الحسبان من شأنها "خرْبطة" الأولويات في لبنان الذي لم يغادر عيْن العاصفة الهائجة من حوله.

فعملية التفجير، التي نجا منها بـ "الصدفة" ناشِطٌ "سرّي" في حركة "حماس" يُعتقد أنه يضطلع بأدوار على صلة بملفّ الداخل الفلسطيني ويُعرف بأكثر من اسم ويقيم في أكثر من منطقة، تؤشر على فصلٍ جديد من "حرب الأدمغة" الاستخباراتية كانت مسرحه أمس مدينة صيدا المتاخمة لـ "عين الحلوة" أكبر المخيمات الفلسطينية وأكثرها استقطاباً لنشاط الحركات الفلسطينية مثل "فتح» و"حماس" و"الجهاد".

وسرعان ما وُجهتْ أصابع الاتهام لاسرائيل في محاولة اغتيال "الحمساوي الأمني" محمد عمر حمدان الذي أصيب بساقه في عمليةٍ شبيهة بما سبق أن نفّذه "الموساد" الاسرائيلي ضدّ مسؤولين في حركة "الجهاد الاسلامي" و"حزب الله" كانوا على تماسٍ مع العمل داخل المناطق الفلسطينية المحتلة، على غرار اغتيال الأخوين مجذوب في صيدا منتصف 2006، وعلي صالح في الضاحية الجنوبية لبيروت العام 2003 وغالب عوالي في الضاحية كذلك العام 2004.

وثمة انطباعٌ في بيروت بأن المبارزة بالحرب الأمنية دخلتْ مرحلة جديدة أخيراً مع كشْف الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله عن تنظيمه اجتماعاتٍ مع المنظمات الفلسطينية بهدف تقديم المساعدة لها في إطار دعْم ما وصفه بـ "الانتفاضة الثالثة" في الأراضي المحتلة رداً على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترماب الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل.

وتعاطتْ الدوائر المراقبة في بيروت مع تفجير صيدا على أنه "جرس إنذار" لخطرٍ تتزايد مؤشراته كالغارات الاسرائيلية المتوالية على مخازن لـ "حزب الله" في سوريا وغالباً عبر الأجواء اللبنانية، وإعلان نصرالله التحضير لـ "الحرب الكبرى"، وارتفاع حرارة التدافُع المتقابل على جبهة الجولان، الأمر الذي يُخشى معه من أي "دعسة ناقصة" تؤدي الى الانزلاق نحو المواجهة التي يتجنّبها "حزب الله" كما إسرائيل حتى الآن ولكنها قد تقع بحال حصول "سوء تقدير كبير" أو بـ... "قرار كبير".

هذا المناخ المستجدّ يضع لبنان الغارق في أزماته الداخلية أمام نوعيْن من التحديات الـ "ما فوق عادية" في اللحظة التي يتّجه وبخطى ثقيلة إلى انتخاباتٍ نيابية في أيار المقبل، وهما معاودة تطبيع علاقاته مع دول الخليج ولا سيما المملكة العربية السعودية، والحدّ من الاحتقان على حدوده الجنوبية، بالإضافة الى الوهج الدائم والضاغط للصراع الاقليمي الكبير الدائر من حوله.

ورغم أن محاولة اغتيال حمدان تحمل الطابع "الموْضعي"، إلا أن أوساطاً سياسية تخشى أن يجد لبنان، الذي كان يواجه في الأعوام الخمسة الأخيرة تشظيات أزمات المنطقة ولا سيما الحرب في سوريا، نفسه "بين ناريْ" هذه الأزمات التي دخلت مراحل مفصلية والملف الفلسطيني الذي استعاد "وضعية الاشتباك" بعد قرار ترامب حول القدس، انطلاقاً من أدوار "حزب الله" على هذه الجبهات.

"الراي الكويتية" - 15 كانون الثاني 2018

إرسال تعليق

 
Top