0
نصفُ استقالةٍ، استقالةٌ بـ "السياسة" وتَريُّثٌ في الخطوة الدستورية، تَراجُعٌ تكتيكي في لحظةِ تَحوُّلٍ إستراتيجي، فكُّ ارتباطٍ بـ "تسويةٍ" تَداعتْ وفتْحُ نافذةٍ لأخرى أكثر تَوازُناً، الانتقال الهادئ من ستاتيكو بلغ المأزق الى البحث عن معادلةٍ تُخْرِج لبنان من لعبة "التعادل السلبي" على المسرح الاقليمي - الدولي الذي ازداد حماوةً واستقطاباً في الأسابيع الماضية.

بهذه المقاربات السريعة لإعلان رئيس الحكومة سعد الحريري التريّث في تقديم استقالته استجابةً لتمني رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، يمكن القول إن المساعي الدولية - الاقليمية، ولا سيما الفرنسية - المصرية أتاحت للبنان شراء المزيد من الوقت للخروج من "عنق الزجاجة" بعدما لاحتْ في الأفق ملامح ما هو أسوأ من الحرب السياسية القابلة للاشتعال.


إنه "رجل المفاجآت الكبرى" و"علبة أسرار" ومستودعٌ للاسئلة وما بعدها... هكذا تَحوّل الرئيس الحريري عندما فاجأ الجميع باستقالةٍ "صادمة" من الرياض في الرابع من الشهر الجاري، وحين فاجأ الجميع بتريُّثه في تقديم استقالته في بيروت، أمس، أي بعد 18 يوماً شكّلت ميداناً لـ "قلْب الطاولة" واستدرجتْ استنفاراً ديبلوماسياً قلّ نظيره أطلت معه قواعد جديدة للعبة في لبنان.

حتى لحظة هبوط طائرته ليل اول من امس في مطار رفيق الحريري الدولي، آتياً من استراحة في باريس بعد الرياض، معرّجاً على مصر وقبرص، كانت سيناريوات الحريري في ملاقاة المرحلة المقبلة على غموضها... سيستقيل إيذاناً بأزمةٍ مفتوحة في البلاد، لن يستقيل حفاظاً على ما هو عليه الواقع الراهن، فإذا به يختار ما بين بين.


فالحريري العائد من ثلاث قمم مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والمصري عبد الفتاح السيسي والقبرصي نيكوس اناستاسيادس، قرّر التلويح بالاستقالة بيدٍ وبالحوار باليد الأخرى، الأمر الذي يحفظ الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد ويفتح الطريق أمام حوار جدي، وعلى الأرجح في إطار سقفٍ زمني محدد بـ 15 يوماً، يتناول الملفات الخلافية الشائكة في بُعديْها الداخلي والإقليمي على حد سواء.

فاستقالة الحريري "المعلَّقة" التي أرادها لإحداث "صدمة ايجابية" حرّكتْ المياه الراكدة في لبنان، ربْطاً بالمتغيرات الهائلة والمتسارعة في المنطقة التي "ودّعت" التنظيم الأخطر والأكثر إثارة للجدل - أي "داعش" - ودخلتْ في "ترتيباتٍ إقليمية" لم تتضح فصولها بعد، ولن يكون لبنان بمعزلٍ عن "حصْر الإرث" فيها.

"الراي الكويتية" - 23 تشرين الثاني 2017

إرسال تعليق

 
Top