0
يراوح لبنان الآن بين مَنْزلتيْن... اقترابُ الصراعِ عليه من الأمتار الأخيرة قبل الانفجار، وهو ما عبّرتْ عنه استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري من الرياض قبل أن يتريّث بتقديمها في بيروت، والمَخارج المُمْكِنة لاستقامة الواقع اللبناني المستجدّ في إطار ِمعادلةٍ خَطُّها الأحمر الاستقرار وخيارُها الحاسِم النأي بالبلاد عن المنازعات الاقليمية.
ولم تكن مصادفة فتْح الملف اللبناني بأبعاده الاقليمية على مصراعيه بالتزامن مع ملامح "ترتيبات جديدة" في المنطقة عنوانها "ما بعد داعش"، كما هو الحال في العراق وسورية وعلى طول خطّ التنافس الروسي - الأميركي، كما خط التماس اللاهب في المواجهة المتعاظمة بين إيران والسعودية في أكثر من ساحة في الإقليم ورماله المتحرّكة.

فالعالم بأسْره كان أخيراً أمام "عنوانٍ واحد بأحداث كثيرة" مع تَدافُع الجميع لإعلان وفاة "داعش" بعد تَوسُّعه الهستيري في العراق وسورية وتصديره ذئابه المنفردة إلى شتى أصقاع المعمورة، تضرب في عواصم الغرب والشرق بلا رحمةٍ، في أعنف ظاهرة وأكثرها دموية.

ما بعد "داعش" يتّجه العراق الى حلّ ميليشيات "الحشد الشعبي" الموالية لإيران بعدما نجح رئيس الوزراء حيدر العبادي في تحقيق إنجازاتٍ جعلتْ منه الرقم الصعب، فهو أجهز على ترْكة سلَفه نوري المالكي - اي "الدولة الاسلامية في العراق والشام" - وأعاد الأكراد إلى القمقم، وأرسى سياسةً متوازنة مع دول الجوار، كما مع دول العالم.

وما بعد "داعش"، ارتمى الرئيس السوري بشار الأسد على كتف فلاديمير بوتين، "المايسترو" الذي يدوزْن عملية انتقال سوريا من حربٍ لم تنته تماماً إلى حلٍّ يشق طريقه عبر تفاهماتٍ صعبة مع اللاعبين الاقليميين تجعل الجميع رابحين وخاسرين في آن، كإيران والسعودية وتركيا واسرائيل، بضمانةِ روسيا ورضى الولايات المتحدة.

ومع انتقال المنطقة من حروبٍ، عملتْ فيها "داعش" كـ "فرق سبّاقة"، الى عملياتِ "حصْر إرثٍ" للنتائج، وُضِع اليمن ولبنان على الطاولة... "باليستيّ" ما بعده ليس كما قبله، و"استقالةٌ" لا يمكن الرجوع عنها ولا المضي فيها، فـ"اللعبة الخشنة" صارتْ على المكشوف رغم ما يحوطها من ملابساتٍ وتَموُّجاتٍ... فالأهمّ هو النتيجة.

ويكاد أن يَختصر عنوان "النأي بالنفس" في بيروت تراجيديا اللحظة السياسية الصعبة، وهو العنوان الذي يرتبط حصْراً بدور "حزب الله" الإقليمي كذراعٍ إيرانية، ما استدرج أخيراً "العين الحمراء" السعودية بعد الأميركية، فاهتزّت التسوية السياسية في الداخل وبلغ الاستقرار الهشّ حافة الهاوية.

فالحريري المتريّث الآن، يقف في منتصف الطريق بين استقالةٍ لم يتراجع عنها ولم يقدّمها، في انتظار ما ستؤول إليه اتصالاتٌ باشرها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لـ "جس نبض" الأطراف المعنية، لا سيما "حزب الله" في شأن صوغ موقفٍ جديد من "النأي بالنفس"، يكون مُلْزِماً ويتجاوز الأقوال الى الأفعال وينعكس ترجماتٍ حقيقية.

وثمة مَن يعتقد في هذا السياق أن "حزب الله" الذي أدرك ما ينتظره من ضغوطٍ، فتح "نصف الباب" أمام مَخرج محتمل حين نفى، وفي شكل حاسم، تدخّله في اليمن، وكشَفَ عن قُرب عودته من العراق، إضافة الى الإيحاء بأن الإجهاز على "داعش" في سوريا يحدّ من الحاجة إلى استمرار وجوده بالثقل الحالي هناك.

فرغم محاذرة "حزب الله" إظهار عودته من "حيث يجب أن يكون" بعدما أنجز مهمّته، على أنه كسْبٌ معنوي للضغوط الإقليمية عليه، فإن بلوغ لبنان "عين العاصفة" قد يجعل الحزب أكثر واقعية في تبني خيار الدولة بـ"النأي بالنفس"، فهو قدّم للحوثيين ما بحوزته من خبرات، وينتظر طلباً عراقياً بمغادرة بلاد الرافدين، وقد يعمل على تجميع قواته في معسكراتٍ على الحدود السورية - اللبنانية.

"الراي الكويتية" - 26 تشرين الثاني 2017

إرسال تعليق

 
Top