يبدو الطاقم الحاكم أمام استحقاق بالغ الدقة بين خيارَين: إما الرضوخ لمنطق الدستور وإجراء اﻻنتخابات الفرعيّة، وإما التجرّؤ على الدستور وتطييرها. ولكن، ليس من السهل على حكومة التحالفات المتناقضة أن تقنع الرأيَ العام بأسباب تطيير اﻻنتخابات هذه المرّة، ولذلك هي «محشورة». ففي 2016 و2017، حاول الطاقمُ السياسي على اﻷقل اﻹيحاء بوجود ذريعةٍ هشّة للتمديد للمجلس عاماً كاملاً. أما اليوم، فلا يجد أمامه أيَّ مبرّر قابل للتصديق لتعطيل الانتخابات الفرعيّة.
حتى اﻵن، ليس واضحاً ما إذا كان مجلسُ الوزراء سيتفاعل إيجاباً مع اﻹجراء الروتيني الذي يُفترض أن يتّخذه الوزير نهاد المشنوق، قبل حلول 17 آب، بالدعوة إلى اﻻنتخابات الفرعية.
ولكنّ أوساطاً سياسية تتحدث عن مخاوف تنتاب هذا الطاقم من مغبّة لجوئه إلى تطيير اﻻنتخابات، ﻷنّ ذلك سيكشف مجموعةً من الفضائح:
1. إذا جرى تعطيل اﻻنتخابات الفرعية، يكون هذا الطاقم قد أثبت أنّ إدارته للبلد تقوم على المصالح السياسية المتبادَلة والصفقات، ومن دون أيِّ ضوابط دستورية. وهذا ما يؤكد الشكوك بأنّ الصفقة التي قام عليها التحالف السلطوي القائم، والتي انعقدت في نهاية 2016، تنطوي على شبهاتٍ حقيقية. فأطراف هذا التحالف يتبادلون الخدمات ويستغلّون السلطة لتأمين مصالحهم، ضمن تفاهمات غامضة، سياسية وغير سياسية.
ففي داخل الحكومة، الجميع يراعي مصالح الجميع، ﻷنهم مستفيدون من استمرارها. ويعمل كل طرف لتسخير السلطة والمشاريع واﻷموال لتحسين موقعه في اﻻنتخابات النيابية المقبلة. ويبدو مثيراً أنّ القضاء، أو أجهزة الرقابة، لم تضبط أيَّ تجاوز في الممارسة السياسية أو الإدارية، على رغم اﻷصوات الكثيرة التي تتحدث عن تجاوزات وصفقات ومخالفات كثيرة في ملفات مختلفة.
2. إذا جرى تعطيل اﻻنتخابات الفرعية، يكون هذا الطاقم قد بعث بأولى اﻹشارات حول المصير المحتمل للانتخابات النيابية العامة، في أيار 2018. فإذا كانت مصالح بعض القوى السلطوية قد فرضت تعطيل اﻻنتخابات الفرعية، من دون تبرير، فما المانع من تطيير اﻻنتخابات العامة إذا وجدت قوة سياسية أو أكثر مصلحة لها في التمديد مجدداً للمجلس النيابي، ومن دون أن تكلّف نفسَها عناء التبرير؟
3. إنّ تعطيل اﻻنتخابات الفرعية، إذا حصل، سيشكّل ضربة لصدقيّة العهد الذي تعهّد باحترام المعايير الدستورية وعدم اﻹخلال بها تحت أيّ ظرف، خصوصاً أنّ أحد المقاعد الثلاثة، أي مقعد كسروان، يعني رئيس الجمهورية مباشرة، ليس فقط ﻷنه المقعد الشاغر بانتخابه رئيساً، بل أيضاً ﻷنّ التنافس عليه يحمل دلالاتٍ مُهمّة داخل الدائرة القريبة من عون، وعلى مستوى «التيار الوطني الحرّ».
ولا يمكن العهد أن يصنّف تطييرَ اﻻنتخابات الفرعية - إذا حصل - ضمن «فترة السماح» التي استفاد منها سابقاً، والتي جرى خلالها التمديد للمجلس النيابي عاماً كاملاً.
وعلى العكس، يعتقد المتابعون أنّ العهد قادر على الاضطلاع بدور أساسي في هذا الملف والدفع نحو احترام الدستور وإجراء اﻻنتخابات الفرعية في موعدها. والبلد يضجّ بالمعلومات عن الحيثيات والظروف التي يتمّ خلالها التحضير لتطيير اﻻنتخابات الفرعية. ولن يقتنع أحدٌ بأنّ التطيير حصل بخلاف إرادة أركان السلطة.
وفي اﻷساس، ليس لمجلس الوزراء أن يختار بين إجراء اﻻنتخابات الفرعية وعدم إجرائها، ﻷنّ الدستور ينصّ على أنّ دورَ المجلس إجرائي لا أكثر، وأنه مرغم على القيام بواجبه في الدعوة إلى اﻻنتخابات في موعدها، واستكمال الترتيبات الضرورية ﻹجرائها، ولا سيما منها تعيين هيئة إشراف عليها ورصد اﻻعتمادات اللازمة.
ولكن، جرت العادة في السنوات اﻷخيرة على أن يجري تجاوز النص الدستوري وجعل اﻻنتخابات رهينة سياسية للتوافقات والصفقات بين القوى الفاعلة.
لقد مدّدت القوى السياسية للمجلس النيابي الحالي سنةً كاملة، تحت عنوان الضرورات التقنيّة، ﻷنّ مصالحها تقاطعت على ذلك. فالبعض يريد هذه المهلة ﻻستعادة قدراته اﻻنتخابية بعد فترة طويلة من الترهّل. فيما البعض اﻵخر «يبيعه» الموافقة ويتقاضى الثمن سياسياً.
فالدرس الذي تلقّاه بعض القوى من اﻻنتخابات البلدية اﻷخيرة كان قاسياً. وجاءت اﻻحصاءات والدراسات لتثبت أنّ اﻻنتخابات الفرعية قد تكشف ضعف بعض القوى التي تصنّف نفسها اليوم في مواقع طليعية على رأس طوائفها. وفي قانون اﻻنتخابات الجديد، المُصاغ على عجل، بعض اﻷفخاخ التي ندمت هذه القوى على القبول بها. وأما الصوت التفضيلي فتأثيراته حيويّة في اﻻنتخابات المقبلة.
في فترة السنة الممدَّدة، يريد بعض أركان السلطة أن يحضّروا اﻷرضية المناسبة لمعركتهم اﻻنتخابية: «رشوة» المحاسيب بالمشاريع والحصص والتعيينات، وتحسين الصورة لدى الرأي العام، وضرب القوى الحزبية المعارِضة والمستقلّة والمناطقية وحركات المجتمع المدني.
وكل ذلك تحت عنوان «الحاجة التقنيّة إلى الوقت»، علماً أنّ أيَّ جهد لم يُبذل حتى اليوم لشرح القانون العتيد أو إدخال تحسينات عليه، إذا كان يحتاج إلى تحسين. لكنّ استحقاق اﻻنتخابات الفرعية فرض نفسه ضيفاً ثقيلاً على القوى التي توافقت على التمديد لمدة سنة.
فلا الرئيس سعد الحريري مرتاح الى معركته اليوم في طر ابلس، ولا «التيار الوطني الحر» مرتاح الى كشف أوراق التحالفات السياسية في كسروان والعلاقة الانتخابية مع «القوات اللبنانية» وطريقة التعاطي بين المعنيين داخل الحلقة العونية اﻷقرب، لشغل مقعد له رمزيّته، هو مقعد عون.
لذلك، هل يتجرّأ الطاقم الحاكم ويطيّر الانتخابات الفرعية ضمن صفقة جديدة، وفق المعلومات التي سرت سابقاً، نقلاً عن بعض أركان الحكومة، ومفادها أنّ التطيير هو اﻻتجاه الغالب حتى اﻵن. وهل تنجح القوى الراغبة في الهرب من اﻻنتخابات في ابتكار الذرائع المختلفة للتبرير؟
اﻷيام القليلة المقبلة فاصلة. ولكن، إذا حصل ذلك، فالانتخاباتُ العامة، المقرَّرة في أيار 2018، ستكون أيضاً باتت في مهبّ الريح، ﻷنّ تطيير اﻻنتخابات الفرعية من دون تقديم عذرٍٍ أو تبرير حقيقي، سيسهّل الاستخفاف في التعاطي مع اﻻنتخابات العامة.
وفي أيّ حال، سيفضح ذلك خلفيات الصفقة السياسية التي أُبرِمَت نهاية 2016، ويُثبت أنّ هدفها لم يكن التعاون لتأسيس الدولة القوية، بل التواطؤ لاستمرار دولة المزرعة!
ولكنّ أوساطاً سياسية تتحدث عن مخاوف تنتاب هذا الطاقم من مغبّة لجوئه إلى تطيير اﻻنتخابات، ﻷنّ ذلك سيكشف مجموعةً من الفضائح:
1. إذا جرى تعطيل اﻻنتخابات الفرعية، يكون هذا الطاقم قد أثبت أنّ إدارته للبلد تقوم على المصالح السياسية المتبادَلة والصفقات، ومن دون أيِّ ضوابط دستورية. وهذا ما يؤكد الشكوك بأنّ الصفقة التي قام عليها التحالف السلطوي القائم، والتي انعقدت في نهاية 2016، تنطوي على شبهاتٍ حقيقية. فأطراف هذا التحالف يتبادلون الخدمات ويستغلّون السلطة لتأمين مصالحهم، ضمن تفاهمات غامضة، سياسية وغير سياسية.
ففي داخل الحكومة، الجميع يراعي مصالح الجميع، ﻷنهم مستفيدون من استمرارها. ويعمل كل طرف لتسخير السلطة والمشاريع واﻷموال لتحسين موقعه في اﻻنتخابات النيابية المقبلة. ويبدو مثيراً أنّ القضاء، أو أجهزة الرقابة، لم تضبط أيَّ تجاوز في الممارسة السياسية أو الإدارية، على رغم اﻷصوات الكثيرة التي تتحدث عن تجاوزات وصفقات ومخالفات كثيرة في ملفات مختلفة.
2. إذا جرى تعطيل اﻻنتخابات الفرعية، يكون هذا الطاقم قد بعث بأولى اﻹشارات حول المصير المحتمل للانتخابات النيابية العامة، في أيار 2018. فإذا كانت مصالح بعض القوى السلطوية قد فرضت تعطيل اﻻنتخابات الفرعية، من دون تبرير، فما المانع من تطيير اﻻنتخابات العامة إذا وجدت قوة سياسية أو أكثر مصلحة لها في التمديد مجدداً للمجلس النيابي، ومن دون أن تكلّف نفسَها عناء التبرير؟
3. إنّ تعطيل اﻻنتخابات الفرعية، إذا حصل، سيشكّل ضربة لصدقيّة العهد الذي تعهّد باحترام المعايير الدستورية وعدم اﻹخلال بها تحت أيّ ظرف، خصوصاً أنّ أحد المقاعد الثلاثة، أي مقعد كسروان، يعني رئيس الجمهورية مباشرة، ليس فقط ﻷنه المقعد الشاغر بانتخابه رئيساً، بل أيضاً ﻷنّ التنافس عليه يحمل دلالاتٍ مُهمّة داخل الدائرة القريبة من عون، وعلى مستوى «التيار الوطني الحرّ».
ولا يمكن العهد أن يصنّف تطييرَ اﻻنتخابات الفرعية - إذا حصل - ضمن «فترة السماح» التي استفاد منها سابقاً، والتي جرى خلالها التمديد للمجلس النيابي عاماً كاملاً.
وعلى العكس، يعتقد المتابعون أنّ العهد قادر على الاضطلاع بدور أساسي في هذا الملف والدفع نحو احترام الدستور وإجراء اﻻنتخابات الفرعية في موعدها. والبلد يضجّ بالمعلومات عن الحيثيات والظروف التي يتمّ خلالها التحضير لتطيير اﻻنتخابات الفرعية. ولن يقتنع أحدٌ بأنّ التطيير حصل بخلاف إرادة أركان السلطة.
وفي اﻷساس، ليس لمجلس الوزراء أن يختار بين إجراء اﻻنتخابات الفرعية وعدم إجرائها، ﻷنّ الدستور ينصّ على أنّ دورَ المجلس إجرائي لا أكثر، وأنه مرغم على القيام بواجبه في الدعوة إلى اﻻنتخابات في موعدها، واستكمال الترتيبات الضرورية ﻹجرائها، ولا سيما منها تعيين هيئة إشراف عليها ورصد اﻻعتمادات اللازمة.
ولكن، جرت العادة في السنوات اﻷخيرة على أن يجري تجاوز النص الدستوري وجعل اﻻنتخابات رهينة سياسية للتوافقات والصفقات بين القوى الفاعلة.
لقد مدّدت القوى السياسية للمجلس النيابي الحالي سنةً كاملة، تحت عنوان الضرورات التقنيّة، ﻷنّ مصالحها تقاطعت على ذلك. فالبعض يريد هذه المهلة ﻻستعادة قدراته اﻻنتخابية بعد فترة طويلة من الترهّل. فيما البعض اﻵخر «يبيعه» الموافقة ويتقاضى الثمن سياسياً.
فالدرس الذي تلقّاه بعض القوى من اﻻنتخابات البلدية اﻷخيرة كان قاسياً. وجاءت اﻻحصاءات والدراسات لتثبت أنّ اﻻنتخابات الفرعية قد تكشف ضعف بعض القوى التي تصنّف نفسها اليوم في مواقع طليعية على رأس طوائفها. وفي قانون اﻻنتخابات الجديد، المُصاغ على عجل، بعض اﻷفخاخ التي ندمت هذه القوى على القبول بها. وأما الصوت التفضيلي فتأثيراته حيويّة في اﻻنتخابات المقبلة.
في فترة السنة الممدَّدة، يريد بعض أركان السلطة أن يحضّروا اﻷرضية المناسبة لمعركتهم اﻻنتخابية: «رشوة» المحاسيب بالمشاريع والحصص والتعيينات، وتحسين الصورة لدى الرأي العام، وضرب القوى الحزبية المعارِضة والمستقلّة والمناطقية وحركات المجتمع المدني.
وكل ذلك تحت عنوان «الحاجة التقنيّة إلى الوقت»، علماً أنّ أيَّ جهد لم يُبذل حتى اليوم لشرح القانون العتيد أو إدخال تحسينات عليه، إذا كان يحتاج إلى تحسين. لكنّ استحقاق اﻻنتخابات الفرعية فرض نفسه ضيفاً ثقيلاً على القوى التي توافقت على التمديد لمدة سنة.
فلا الرئيس سعد الحريري مرتاح الى معركته اليوم في طر ابلس، ولا «التيار الوطني الحر» مرتاح الى كشف أوراق التحالفات السياسية في كسروان والعلاقة الانتخابية مع «القوات اللبنانية» وطريقة التعاطي بين المعنيين داخل الحلقة العونية اﻷقرب، لشغل مقعد له رمزيّته، هو مقعد عون.
لذلك، هل يتجرّأ الطاقم الحاكم ويطيّر الانتخابات الفرعية ضمن صفقة جديدة، وفق المعلومات التي سرت سابقاً، نقلاً عن بعض أركان الحكومة، ومفادها أنّ التطيير هو اﻻتجاه الغالب حتى اﻵن. وهل تنجح القوى الراغبة في الهرب من اﻻنتخابات في ابتكار الذرائع المختلفة للتبرير؟
اﻷيام القليلة المقبلة فاصلة. ولكن، إذا حصل ذلك، فالانتخاباتُ العامة، المقرَّرة في أيار 2018، ستكون أيضاً باتت في مهبّ الريح، ﻷنّ تطيير اﻻنتخابات الفرعية من دون تقديم عذرٍٍ أو تبرير حقيقي، سيسهّل الاستخفاف في التعاطي مع اﻻنتخابات العامة.
وفي أيّ حال، سيفضح ذلك خلفيات الصفقة السياسية التي أُبرِمَت نهاية 2016، ويُثبت أنّ هدفها لم يكن التعاون لتأسيس الدولة القوية، بل التواطؤ لاستمرار دولة المزرعة!
طوني عيسى - "الجمهورية" - 14 آب 2017
إرسال تعليق