لولا السمعة الطيّبة التي فرضها الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي على الدول الأجنبية والعربية، والتي استحقت لهما بالدماء الزكيّة التي قدّمت على مذبح محاربة الارهاب والجريمة، لكان لبنان استحقّ عن «جدارة» لقب «الدولة المريضة» في منطقة الشرق الاوسط، فلبنان مريض سياسياً ووطنياً واجتماعياً واقتصادياً وسياحياً، بسبب الفساد الذي يسجّل درجات متقدمة جداً في ذيل الدول الفاسدة، اضافة الى الهدر غير المسبوق في المال العام، وسوء الخدمات، وتجاهل الدستور والقوانين، وضعف القضاء، وتشريع الابواب امام الغرباء، دون حسيب او رقيب، والاسوأ من كل هذه الكوارث، الانقسام الكبير بين اللبنانيين، على الثوابت الوطنية، وعلى مفهوم الدولة، وعلى علاقات لبنان العربية والاجنبية.
كل واحد من هذه الامراض، هو معضلة بحدّ ذاتها، فكيف اذا اجتمعت كلّها في وقت واحد، وبوجود ازمات خطيرة دولياً وعربياً، لها تأثير سيئ مباشر وغير مباشر على لبنان المنهك منذ العام 1975، وبشكل خاص منذ العام 1988 حتى هذه الساعة.
الغريب والمدهش في آن، أن لبنان ما زال واقفاً على رجليه، ولو مع عكازات، ولم يصبح بعد دولة فاشلة، حتى مع 75 مليار دولار هي قيمة الدين العام على المواطنين اللبنانيين، والمنتظر ان يتصاعد في شكل مخيف في الاعوام المقبلة، لأن لا شيء في الأفق يشير الى ان المسؤولين واعون لهذه الكارثة، وجادّون في معالجتها، حتى ان الخلافات داخل الحكومة، اصبحت علنية، ومنشورة على الهواء وعلى صنوبر بيروت، وهناك من يتنبّأ ان الحكومة سوف تنفجر قبل الوصول الى موعد الانتخابات المقبلة في ايار 2018.
الجيش اللبناني على اعتاب معركة كبيرة ضد تنظيم «داعش» الارهابي، ويفترض في ظرف كهذا، الاّ يعلو صوت على صوت المعركة، لكن «الردح» بين الوزراء «ضارب اطنابه» ويتم التراشق بالاتهامات عند العديد منهم، بما يشي بكشف عورة كل منهم، ويدلّ على ان قلّة قليلة من الوزراء، تتمتع بمناعة ضد الفساد على انواعه، والباقون غاطسون فيه حتى الاعناق، وهذه الحالة المرضية في الحكم والحكومة، تؤثر سلباً على القرارات السياسية التي يفترض ان تؤخذ في هذه المرحلة لتسهيل مهمة الجيش وقوى الأمن في الجرود وفي الداخل حيث يخشى من ايقاظ الخلايا النائمة للمنظمات الارهابية في المخيمات السورية والفلسطينية وفي المدن والبلدات لخلق اجواء من الذعر والخوف بين المواطنين، واكبر برهان على عدم فاعلية هذه الحكومة، وعلى عدم حضورها عندما يتوجّب ذلك، انها قبل معركة جرود عرسال واثناءها وبعدها لم تعقد جلسة لمناقشة الأمر، كما لم تعقد جلسة لاعلان موقف رسمي شجاع يوضح للمواطنين دعم الحكومة الكامل المعنوي والمادي والوطني لقيام الجيش بتحرير جرود القاع ورأس بعلبك، وكشف مصير جنودنا التسعة المخطوفين منذ سنوات لدى تنظيم «داعش».
الحمد لله ان الجيش يقف على مسافة بعيدة من اهل السياسة، وعلى مسافة قريبة من واجب الدفاع عن لبنان الوطن وشعب لبنان.
فؤاد أبو زيد - "الديار" - 8 آب 2017
إرسال تعليق