0

أربعة أعوام مرّت على تفجيرَي مسجدَي التقوى والسلام في طرابلس، ولا يزال أهالي الشهداء ينتظرون أن ينال المجرم عقابه. 

أحمد عبوس الملقب «أبو عشير» الذي فقد إبنه وصهره وثلاثة من أحفاده يؤكّد انه لم يعد يهمه العيش في هذا البلد، ليس لأنّه جبان أو متخاذل بل لأنّ الظلم وعدم إحقاق الحق كسر ظهره واغتال عائلته مرةً ثانية.

ويقول لـ«الجمهورية»: «ننتظر بفارغ الصبر العدالة والإقتصاص من المجرمين الذين خططوا ودبّروا ونفّذوا جريمة تفجير المسجدَين».

أهالي الشهداء الذين سقطوا أعطوا الدولة كلّ ثقة من أجل النيل من المجرمين، لكنها أفسحت في المجال أمام المتهمين للخروج الى ما وراء الحدود، وسياسيّو المدينة يتحدثون في كل مناسبة عن إدانتهم الواسعة سنةً بعد سنة لحادثة التفجير.

ويسأل «أبو عشير»: «المتّهم معروف من المؤسسات الأمنية ومذكرات التوقيف صدرت بحقه، لكنه لا يزال حرّاً طليقاً، ولن يرتاح الشهداء في عليائهم وليس امامنا سوى إنتظار المحاكمة».

ويضيف: «نحن نتألّم والمجرم يعيش في فندق 5 نجوم في سوريا. نحن نموت في اليوم ألف مرة والمجرم يشبّح. نحن نسأل إن كان يحقّ لنا السؤال كيف تمّ تمرير رفعت عيد ومَن معه على الحدود اللبنانية رغم مذكرات التوقيف الصادرة بحقه؟

نحن نتّهم الدولة بالتقصير، وهي نفسها التي استدعته الى التحقيق معزَّزاً مكرَّماً، لو كنا نريد أخذ حقنا بأيدينا لفعلنا، لكننا أولينا الدولة ثقتنا وانتظرنا أن ينال المجرم عقابه، فكانت النتيجة إعتقال شاب واحد من جبل محسن إعترف بإرتكاب الجريمة، لكن عندما وقع تفجير جبل محسن تمّ أخذ 52 شخصاً من التبانة وأحيلوا الى المجلس العدلي».

ويوضح «أبو عشير» أنّ «عتبنا موجَّهٌ الى جميع زعمائنا في مدينة طرابلس التي قدّمت 52 شهيداً وأكثر من 400 جريح خلال التفجيرَين، وحتى الساعة المجرم يسرح ويمرح، ولو وقعت الحادثة في أيّ منطقة لبنانية أخرى لعرفنا اسمَ المجرم ووجدنا إخراجَ قيده ونوع السيارة التي يقودها».

ويشير إلى أنه «في 27/10/2017 هناك جلسة في قضية تفجير المسجدَين، وستتمّ محاكمة المتهم يوسف دياب. سيذهب أهالي الشهداء وينتظروا، فإن صدر حكم الإعدام بحقه أثلجت قلوبنا وإن لم يصدر ستكون لنا تصرفات أخرى.

الحادثة تعيش معي في المنزل من خلال الصور، وفي الشارع كلما مررت أمام جامع التقوى، وبسبب مرض الأعصاب الذي أعاني منه أقع على الطريق ويتدخّل الأهالي لمساعدتي.

لقد فقدت 4 من أولادي وصهري، منذ تاريخ الحادثة وحتى اليوم دخلت المستشفى أكثر من 12 مرة، أعاني ضجيجاً في الدماغ وأمراضاً في الأعصاب وأعيش على المهدّئات، يقصفوننا ويتّهموننا بالإرهاب، ويقتلوننا وفي النهاية لا يُنصفوننا، نحن نشعر وكأنّ الدولة تدفعنا إلى «الكفر بوجودها»، بيد أننا لن نفعل لأننا أم الصبي وسنبقى للعيش في بلدنا، وإن سكتنا عن الظلم فلأننا نحب البلد وليس لكوننا جبناء».

الرافعي

من جهته، يقول رئيس هيئة العلماء المسلمين السابق إمام مسجد التقوى الشيخ سالم الرافعي لـ»الجمهورية»: «لم يخطر في بالي يومها أنّ حقد النظام السوري سيصل الى هذا الحدّ من الوحشيّة والإجرام.

والأهالي برهنوا عن وعي لا مثيل له تاركين للقضاء إتّخاذ التدابير القانونية اللازمة، لكنّ الدولة لم تنصف الناس عبر إعتقال المتورّطين ومحاكمتهم، بل بالعكس تمّ تهريبهم ومن ثمّ تبرئتهم».

ويشيد الرافعي بإنجازات فرع المعلومات، قائلاً: «نحن نجلّه ونحترمه، لكننا نتساءل عن دوره في قضيّتنا؟ أين أصبحت المحاكمات؟ لماذا لا يتمّ الكشف عن الجاني واعتقاله حتى يتسنّى لنا أن نشفي غليل المفجوعين بأبنائهم وأهلهم وأقاربهم؟

حتى الساعة الجميع يعلم بالأسماء المخطِّطة والمنفِّذة بيد أنّ هناك معتقلاً واحداً داخل السجون اللبنانية، هو يوسف دياب وعمره لا يتجاوز الـ20 سنة اعترف بإرتكابه الجريمة. لكن هل هو الرأس المدبّر أم غُرِّر به لا أكثر؟ فضلاً عن ذلك قد يأتي غداً قانون العفو العام ويطلق سراحه».

ويلفت إلى أنهم «يطالبون بالتطبيع مع سوريا ونحن نسأل هل يعني ذلك أن ننسى شهداءنا؟ لماذا كل هذا الظلم اللاحق بأهل السنّة؟ حينما وقع انفجار منطقة جبل محسن وإن كنا ضدّ هذه الأعمال التخريبية، لكننا استنكرنا أيضاً قضية اعتقال شباب عشوائياً من منطقة التبانة؟

ما ولّد عند الناس عدم ثقة بالدولة. وأخشى ما أخشاه مستقبلاً، إذا ما تعرّضنا لحوادث مماثلة لا سمح الله أن يأخذ الناس حقهم بأيديهم، إذ لم تعد لهم ثقة لا بالقضاء اللبناني ولا بالدولة نفسها».

ويلفت إلى «أننا لا نتوقّع مستقبَلاً إلّا الأسوأ، ونخشى أن تكون هناك معاقبة لنا على مطالبتنا بحقوقنا من خلال كشف الحقائق كاملة، فنُسجن نحن ويُطلق سراح الجاني».

بارودي

أما إمام مسجد السلام وخطيبه الشيخ بلال بارودي فيؤكد لـ»الجمهورية»، «أننا لم ننسَ هذا الحدث الكبير والذي تُطلق عليه تسمية «إرهابي بإمتياز». ويسجّل بعض النقاط: «هذا التفجير منحنا صكّ البراءة الفعليّة من أعمال الإرهاب، لأننا لو كنا بالفعل إرهابيين لما تعرّضَت مساجدُنا لهذا العمل الإرهابي الكبير المعروف المصدر والتمويل والتنفيذ.

القضية الثانية تتعلّق بأخذنا صكّ البراءة الفعلي حينما لم ننجر وراء الفتنة، بل أثبتنا أننا دعاة عيش مشترَك ولم نحمّل الطائفة بكاملها وزر أعمال البعض منهم، فالإرهاب لا يعرف ديناً ولا طائفة، وإن كان كذلك لتمّت محاسبة طائفة ميشال سماحة برمّتها».

ويضيف: «نحن لم ننجرّ أيضاً وراء الأمن الذاتي بل طالبنا الدولة بأخذ حقوقنا، ونحن نتابع القضية وثقتنا كبيرة بالعدل الإلهي، وأخيراً لا يمكننا أن ننسى هذه المشاهد التي أثّرت في نفوسنا ولا يمكننا التراجع عن المبادئ التي تنصر المظلوم وتهاجم الظالم، ونطالب القضاء بالإسراع في المحاكمات بغية إحضار المطلوبين، وكم كنا نتمنّى من الوزراء الذين زاروا سوريا أخيراً أخذ المذكّرات التي يجب أن تُسلّم الى الوزارات الأمنية المختصّة بهدف تسليم المطلوبين المعروفين بالأسماء والأماكن والجهات والذين ثبتت إدانتهم». 

أنطوان عامرية - "الجمهورية" - 24 آب 2017

إرسال تعليق

 
Top