0
في موقف لافت يعكس عمق أزمة التناقض في تفسير مواد الدستور، ولا سيما المتعلقة منها بصلاحيات رئيس الجمهورية ربطاً بالانتخابات النيابية وإجراءاتها الدستورية، يطلّ الرئيس ميشال سليمان برأي يناقض الرأي القائل إن من صلاحية رئيس الجمهورية أن يوقّع او لا يوقّع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، لأنه يعني ان رئيس الجمهورية يخرق الدستور الذي يجبر في مواده على اجراء الانتخابات قبل انتهاء ولاية المجلس النيابي. والقول إن دعوة الهيئات الناخبة هو مرسوم عادي غير مقيّد بمهل، "ليس صحيحاً، لأن المهل ملحوظة في مواد أخرى في الدستور تجبر على اجراء الانتخابات خلال الستين يوماً قبل انتهاء ولاية المجلس، وعلى دعوة الهيئات الناخبة قبل تسعين يوماً من موعد اجراء الانتخابات"، وفق تعبيره.
ويستند سليمان في وجهة نظره الى ما تنصّ عليه حرفياً المادة 42 من الدستور (المعدلة بالقانون الدستوري الصادر في 17/10/1927 وبالقرار129 تاريخ 18/3/1943 وبالقانون الدستوري الصادر في 21/1/1947) أي أن "تجري الانتخابات العامة لتجديد هيئة المجلس في خلال الستين يوماً السابقة لانتهاء مدة النيابة".
ومن هذه المادة يقول "إن عدم دعوة الهيئات الناخبة تترتّب عليه النتائج نفسها التي تترتّب على مرسوم حل المجلس النيابي"، مؤيداً وجهة نظر القائلين أن "لا فراغ في المجلس النيابي استناداً الى المادة ٥٥ من الدستور التي تنص على انه في حال حل المجلس، "تجتمع الهيئات الانتخابية وفقاً لأحكام المادة الخامسة والعشرين من الدستور، ويدعى المجلس الجديد للاجتماع في خلال الأيام الخمسة عشر التي تلي إعلان الانتخاب". تستمر هيئة مكتب المجلس في تصريف الأعمال حتى انتخاب مجلس جديد. وفي حال عدم إجراء الانتخابات ضمن المهلة المنصوص عليها في المادة الخامسة والعشرين من الدستور، يعتبر مرسوم الحل باطلاً وكأنه لم يكن، ويستمر مجلس النواب في ممارسة سلطاته وفقاً لأحكام الدستور".
ووفق سليمان، "إذا لم تتم دعوة الهيئات الناخبة ولم تجرَ الانتخابات فيكون اجبارياً بقاء المجلس النيابي بحكم الاستمرارية. وساعتئذ المادة الدستورية ٥٥ معطوفة على المادة ٢٥ (التي تقول "إذا حل مجلس النواب وجب أن يشتمل قرار الحل على دعوة لإجراء انتخابات جديدة وهذه الانتخابات تجري وفقاً للمادة 24 وتنتهي في مدة لا تتجاوز الثلاثة اشهر")، اضافة الى الفتوى التي وضعها إدمون رباط سنة ١٩٧٦، ستكون ركائز لاستمرار مكتب المجلس ومن ثمّ المجلس بكامل هيئته".
ورغم حرص سليمان على عدم معارضة عون أو انتقاده، يستغرب ما يقدّم من اجتهادات يعتبرها "مخالفة للدستور وتعوق تطبيقه وتمنع تأمين استمرارية السلطات الدستورية، بدلاً من أن يكون الهدف منها العكس". ورغم ذلك، لا يستبعد سليمان ان يكون موقف عون هادفا الى الضغط لوضع قانون انتخاب جديد، "وأن يوقع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة عندما يرى الوقت مناسباً، وقد يبقى مستمراً بضغطه حتى اليوم الأخير، وربما حتى ١٨ حزيران ليصدر القانون الجديد الذي سيكون له طبعاً مهل جديدة، وفي حال التأخير ستتم العودة الى المجلس النيابي لإجراء تمديد قصير يمكن خلاله كسب المزيد من الوقت لوضع قانون انتخاب جديد. ولكن ان يترك المجلس بلا انتخابات فمسألة لا يمكن أن ترد في رأس رئيس جمهورية. لدى الرئيس عون وسيلة ضغط وكتلة نيابية وكتل نيابية حليفة تخوّله الدفع في اتجاه وضع قانون انتخاب جديد. ولكن أقولها بتجرّد، لا خيار لرئيس الجمهورية في عدم توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، لأن المادة ٤٢ من الدستور لم تخيّر أحداً، بل قالت بوضوح "تجرى الانتخابات..." وكذلك القانون نصّٰ على دعوة الهيئات الناخبة، وفِي الحالتين هناك تحديد للمهل. 
من هنا، تبدو صلاحية رئيس الجمهورية بوجه واحد، في حال ارتأى موعداً آخر لإجراء الانتخابات غير الذي حدده وزير الداخلية نهاد المشنوق، أي أن أمامه شهرين قبل انتهاء الولاية بدءاً من ٢١ نيسان وحتى ٢٠ حزيران. وموعد نيسان، وان لم يعد ممكناً، يمكن إجراؤها في ١٨ حزيران".
وفي رأي سليمان أنها "مقاربة خاطئة القول إن قرار مجلس الوزراء مقيٰد بمهلة ١٥ يوماً لبتٰه، فيما دعوة الهيئات الناخبة مرسوم عادي غير مقيٰد بمهلة". ويقول: "الدستور يجبر رئيس الجمهورية ولا يعطيه خياراً ألا يوقّع المرسوم، والمواد الدستورية تفرض إجراء الانتخابات وليست مواد اختيارية، في حين ان مهلة الـ١٥ يوماً المتعلقة بقرارات مجلس الوزراء تعطي رئيس الجمهورية حق التوقيع او عدمه وحق إعادتها. 
ونبّه الرئيس سليمان الى "أن الدستور مبنيّ على ميثاقية معيّنة، فهل يمكن أيا كان ان يكسر هذه الميثاقية بإلغاء سلطة من السَلطات الدستورية؟ ألم يلحظ الدستور انه في حال شغور منصب الرئيس (بالوفاة او بأمر آخر وليس بمنع اجراء الانتخابات) أنّ من يحلّ مكانه الحكومة مجتمعة وليس رئيس الحكومة حفاظاً على الميثاقية؟" من هنا، يستنتج سليمان "ان الرئيس ميشال عون لن يقدم على افراغ المجلس النيابي، بل قد يكون لديه رهانات اخرى كإمكان إيصال جميع القوى الى الالتقاء في الوسط والتفاهم على قانون انتخاب يراعي هواجس الجميع كالقانون المختلط مثلاً".
ويستغرب "شيطنة قانون الستين والبحث في قانون مختلط هجين يأخذ من الستين مساوئه ويستبدل إيجابياته بمساوئ اللاعدالة واللامساواة بين حق المرشحين في القضاء نفسه وفي اختيار النظام الذي على اساسه سيقدمون ترشيحهم جراء توزيع المقاعد بين النسبي والاكثري... إنه الاكثري مشوّها عن قانون الستين والنسبي مشوّهاً عن النسبية، هذا المختلط هو قانون "خنت لا صبي ولا بنت"، على وصفه.

هدى شديد - النهار 4 اذار 2017

إرسال تعليق

 
Top