0
لولا بعض التجاذبات الكلامية والمواقف التي تتسرب من هنا وهناك لكان يمكن القول ان العهد الجديد من افضل العهود في الجمهورية اللبنانية بعد الطائف وان العلاقة على احسن ما يرام بين كل المكونات السياسية بما فيهم رئيسي الجمهورية والحكومة ولولا قانون الانتخاب الذي هو عقدة العقد لأن كل القوى السياسية تريد ان تخيطه على مقاسها وبعض المناوشات التي «تعير» على الرئاسة بعض خواتها في اتجاه اخذ واسترجاع حقوق المسيحيين او المواقف الداعمة لحزب الله لأمكن القول ان الدولة تسير خطوات ثابتة نحو نموذج جديد في العلاقات بين مكوناتها، فالتسوية السياسية التي اتت بالرئيس ميشال عون الى قصر بعبدا اطاحت بكل المفاهيم السابقة او جمدتها بعد ان سار الحريري في خيار ميشال عون رئيساً فتهاوت منظومة 8 و14 آذار وسقطت بعد زيارة الرئيس عون الى السعودية وقطر والمنحى الجديد في العلاقة معها فالعهد الجديد هو عهد الاصلاح والتغيير والانفتاح ورئيس الجمهورية ماض في ضرب الستين ويريد «حياً او ميتاً» قانوناً انتخابياً جديدا مهما كانت الموانع التزاماً بخطاب القسم. فالمشهد السياسي يكاد يبدو مثالياً في غياب التوترات التي غلبت في المراحل الماضية ولولا ان مواقف او رسائل سياسية تطلق من وقت لآخر لكان القول ان العهد في أهنأ ايامه وان لا خلاف مع أحد بتاتاً لولا ان ثمة نواقص في المشهد السياسي، فرئيس اللقاء الديمقراطي يحشد في الجبل كما لم يفعل في ايام الحرب وفي ايام خلافاته مع المسيحيين ومع التيار الوطني الحر وكأن جنبلاط كما تقول اوساط سياسية يشعر بأنه اصبح الحلقة الأضعف او لأنه صار خارج القرار السياسي مؤخراً، ورئيس تيار المردة بوتيرة أخف يحاول ان يكون في الصورة مع رئيس الجمهورية لكن الخلاف باق على حاله ولا زيارة الى قصر بعبدا في الوقت الراهن إلا بعد الانتخابات النيابية حتى لا يقال ان فرنجية يعاني رهاب الانتخابات او خائف من حصولها ومن اجتياح التسونامي الثنائي.
 
وليد جنبلاط لا يشعر بالارتياح كما تقول اوساط سياسية، وهو يريد نقل مخاوفه الى عموم أهل الجبل او تعميم تلك الحالة واستنفار العصبية الدرزية، يفيده بذلك التويترات والشعارات التي يطلقها على مواقع التواصل الاجتماعي التي تعبر عن سخطه وعدم ارتياحه حيال الطروحات الانتخابية و«حكم» المسيحيين، هو الذي يهاب العسكر ولا يحبذهم لا يمكنه ان يحتمل مسألتين «تصور ميشال عون رئيساً والتفاهم بين العونيين والقوات»، لطالما كان وليد بيك مرتاحاً في عهد ميشال سليمان فهو كان يتمنى رئيساً للجمهورية على شاكلة سليمان وان يبقى لاعباً اساسياً في ملاعب الآخرين كما كان يصول ويجول سابقاً. فجنبلاط ولم يعد الأمر سراً أوعز الى جماعته بعدم رفع صور رئيس الجمهورية في الادارات او في البلديات المحسوبة عليه في الجبل، فهو لا يتحمل رئيس الجمهورية حتى في كادر «صوري» في مناطقه كما يحسبها فكيف بالأحرى سيهضم قانوناً انتخابياً سيجعل المسيحيين يختارون ممثليهم في الجبل. 
 
دعا جنبلاط كما تقول الاوساط الى الحشد «عائلياً» وفرداً فرداً لاحتفال المختارة للذكرى الأربعين للشهيد كمال جنبلاط وبالمؤكد فان خطابه تصعيدي فـ«مسلسل» الاعتراضات الجنبلاطية صار كبيراَ وحافلاً من القانون الذي يهدد الزعامة الدرزية الى التعيينات الى مجلس الشيوخ وتطول اللائحة كثيراً اذا اقتضى الأمر.
 
بالطبع لا يمكن تصور وليد جنبلاط اليوم في قصر بعبدا اليوم إلا بعد رفع السقف عالياً والحصول على الضمانات التي يريد، وحينها لكل شيء ظروفه واوقاته، لعدم زيارة القصرالى اليوم في الحسابات الجنبلاطية اعتبارات سياسية وشخصية فوليد جنبلاط لا يحبذ حكم العسكر وهو في عليائه الشوفية لا يجيد فن الزحف الا عندما تقتضي الضرورة، يعود العارفون في التاريخ الجنبلاطي الى الحقبات السابقة في علاقة آل جنبلاط مع رؤساء الجمهورية، التاريخ الجنبلاطي في التعاطي مع رؤساء الجمهورية الآتين من رحم المؤسسة العسكرية يظهر بوضوح هذا الواقع، علاقة الراحل كمال جنبلاط بالرئيس فؤاد شهاب لم تكن على احسن ما يرام فجنبلاط الأب كان يقف بالمرصاد مع العميد ريمون اده «للسلوك الشنيع» لرجالات شهاب في المكتب الثاني، فيما وليد جنبلاط لم يطق يوماً فكرة اميل لحود في قصر بعبدا ولم يتمكن من التعايش معه بل بقيت علاقتهما مشوبة بالحذر واللاثقة المتبادلة. لكن في عهد الرئيس ميشال سليمان شهدت العلاقة هدوءاً وتطبيعاً بعدما اظهر الرئيس سليمان ميوله المدنية وأنسى الناس «عسكريته» ولم يكن بعيداً عن فريق 14 آذار مما شجع جنبلاط على تطبيع علاقته معه واقامة علاقة «حسن الجوار» مع بعبدا. لكن مع الرئيس ميشال عون انقلبت المقاييس او تغير فجأة وليد جنبلاط بعد ان فاجأ جنبلاط الجميع بانقلاب سريع ومرونة لتأييد ترشيح «الجنرال» ولو على مضض لانهاء الفراغ الرئاسي بعبارته الشهيرة «انا بمشي خلصونا بقى...» طبعاً الاشارة لم تصدر من القلب وهي اشارة يائسة بعدما بلغ الفراغ مرحلة تهدد الكيان وتهدد مصالح قيادييه وزعامته. إذا مع عون بلع وليد جنبلاط «الموس» وانتخبه مكرهاً كل المؤشرات اوحت بذلك تويتراته وما كتبه على مواقع التواصل الاجتماعي لكن بقيت زيارته الى قصر بعبدا للقاء الرئيس ملكاً لارادته وحريته وقراره الشخصي هي طبعاً لها تفسيراته واسبابها التي يعرفها البيك جيداً ويعرفها الرئيس ايضاً في جزء منها امتداد لحساسيته المفرطة التي تستيقظ كل فترة ضد العسكر، وايضاً لان جنبلاط ينتظر القانون الانتخابي بعد تطيير الستين بقرار رئاسي مبرم، والزيارة هي اليوم مؤجلة حتى لا يحرج الرئيس ولا يحرج الرئيس به انتخابياً فزيارة بعبدا اذا ما طرأ حادث انتخابي على شاكلة قانون يزيل الهواجس الجنبلاطي ولا يهدد زعامة الجبل او على شكل تحالف ربما تعطي الزيارة ارتياحاً شكلياً ولا تعود ترفاً لجنبلاط بل تصبح ضرورة وجودية. 

إبتسام شديد - "الديار" - 16 آذار 2017

إرسال تعليق

 
Top