0
يعرف من رافق ميشال عون «العسكري» و«السياسي» ورئيس تكتل التغيير والاصلاح انه يملك اعصاباً فولاذية وقدرة على التحمل قد لا يمتلكها كثيرون وبأنه قادر على القيام بخطوات حيث لا يجرؤ آخرون، هكذا خاض عون معارك عسكرية من التحرير الى الإلغاء وبعدها نفي عون وعاد الى الحياة السياسية من بوابة تكتل مسيحي نيابي هوالاكبر على الساحة المسيحية، وهكذا أنجز تفاهمات جريئة مع حزب الله ومن ثم مع معراب استغرق استيعابها من الرأي العام فترة طويلة لقبولها، قبل ان يغامر عون مرة جديدة ليصل الى قصر بعبدا في لعبة قلبت موازين القوى والمعادلات الداخلية والاقليمية واطاحت بمعادلة 8 و14 آذار وأوصلت سعد الحريري الى السراي الحكومي، وهذه المقاربة من عارفي الرئيس ميشال عون لا تزال صالحة ويمكن اعتمادها اليوم ايضاً مع انطلاقة العهد الجديد وتوقع الكثير من المفاجآت العونية السياسية لزعيم اختبر واختزل الكثير من التجارب والوثبات في سيرته السياسية، الا ان التحديات بدون شك كبيرة التي تواجه العهد من قانون الانتخاب الى العمل الحكومي والملفات السياسية الضاغطة خصوصاً ان «التركة» التي ورثها رئيس الجمهورية كبيرة ويفترض ان يتم توزيعها بالتساوي ومراعاة شروط معينة.

فعندما تم تأليف الحكومة وعد رئيس الجمهورية اللبنانيين بحكومة منتجة تعمل بشفافية وتحارب الفساد وان تكون صورة طبق الاصل عن شعار حزب رئيس الجمهورية «التغيير والاصلاح»، وعلى ان الأهم ان لا تعمل بكيدية وان لا يحكم الانتقام اوالتشفي على أداء وعلاقة الأطراف داخل الحكومة، فالى اي حد يمكن اعتبار ان هذا الواقع سائد اليوم في حكومة العهد الأولى خصوصاً وان أصداء تباينات بدأت تتسرب الى العلن عن أزمة صامتة بين رئيسي الجمهورية والحكومة وعن تجاذبات بين الوزراء ظهرت علناً مؤخراعلى خلفية بعض المواقف من خصخصة الكهرباء التي «كهربت» علاقة الحليفين المسيحين في ورقة معراب.

لا تنكر اوساط سياسية تدور في فلك الرئاسة ان حجم الملفات الملقاة على عاتق رئيس الجمهورية والعهد الجديد والحكومة هائلة الحجم وحافلة بالضغوط ومسببة للأزمات، ورئيس الجمهورية منذ بداية عهده يدرك ان المهمة معقدة فالاصلاح يحتاج الى العمل الكثير وبعض الوقت كما انه يستشعر من بداية عهده محاولات العرقلة التي تأتي من عدة جهات وتتناغم مع بعضها البعض لمقارعة عون واضعاف عهده، فثمة حملة مبرمجة ودائمة على وزير الخارجية المقرب من عون لاصابة واستهداف العهد، لكن رئيس الجمهورية يقيس خطواته بدقة وليس في صدد الذهاب الى صدام مع احد بل يبقى على مسافة واحدة من الجميع، وخصوصاً انه يشعر بأن ثمة من يضع له الافخاخ لصدامات طائفية ومذهبية، فالثنائية المسيحية الجديدة فضلاً عن التفاهم الثابت مع حزب الله وعلاقة رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر والقوات من جهة، جميعها عوامل تسبب هواجس لمن لا يريد للمكونات السياسية ان تتلاقى وللعهد والحكومة ان ينجحا بعملهما.

بدون شك فان شائبتين لا يمكن المرور عليها او تجاهلهما في عمر حكومة سعد الحريري مؤخراً، تطيير جلسة الاثنين لمجلس الوزراء بدون اسباب منطقية وعملية وحتى سياسية، والتجاذبات بين وزراء في الحكومة على خلفية ملفات معينة، واذا كان تطيير الجلسة الذي أزعج رئيس الحكومة في الصميم لم تعرف اسبابه وموجباته بعد بغياب وزراء بأعذار اوبدونها في الأغلب فان «لطشات» وزراء الطاقة والصحة وتبادلهما «الخصخصة» في وزارتيهما، حيث ان وزير الطاقة قرر ان يضع «خطة للصحة» بعدما تبرع وزير الصحة بخطة كهربائية كادت تكهرب علاقة الحليفين لولا ان ماكينة المصالحة العونية والقواتية تدخلت في اللحظات الاخيرة لرأب الخلاف وضبطه ومنع تفاقمه بخروج الوزيرين معاً من جلسة مجلس الوزراء للإيحاء بعودة الأمور الى مجاريها الصحيحة. وعليه يمكن القول ان الأمور ليست كلها «بخير» داخل الحكومة وكما أرادها رئيس الجمهورية كما تقول اوساط سياسية وان كانت مضبوطة الى حد ما بـ«قرار» رئيس الجمهورية عندما يترأس جلسات الحكومة، الا ان غالب الجلسات صارت تعقد في السراي أولاً بسبب انشغالات رئيس الجمهورية ولأن الرئيس لا يترأس الا الجلسات التي لها طابع استثنائي والحافلة بالملفات الحساسة والانجازات الحكومية.

وعليه يمكن وصف ما يحصل في حكومة الثلاثة اشهر بأنه مرآة للتناقضات السياسية برأي الاوساط، تعكس الأزمة الصامتة التي تدور بسبب قانون الانتخابات، فليس عادياً مثلاً ان يبادر وزير الداخلية في حمأة الخلاف الانتخابي وعدم اتفاق القوى السياسية على قانون الى دعوة الهيئات الناخبة، فالحكومة أنهت شهري السماح المعطاة لها بدون ان تنجز ملفات كبيرة، وثمة أزمة غير خفية بين السراي وبعبدا تحرص الرئاستين على عدم تظهيرها الى العلن، واشارت الاوساط الى ان ما يجري في الحكومة يعبر عن تناقضاتها، وان رئيس الحكومة سعد الحريري نفسه لديه هواجس ومخاوف تتصل بالحكومة المقبلة وبقانون الانتخابات ومسألة عودته الى السراي وحجم كتلته النيابية، خصوصاً ان الطرف الآخر المتمثل برئيس الجمهورية اوحزب الله رفضوا إعطاء ضمانات تتعلق بعودته الى السراي مرة أخرى، وعليه ترى الاوساط ان انفعال المستقبل كان مبرراً بالرد على محاولة توريطه باتفاقات اوالتزامات في موضوع الموافقة على النسبية مقابل العودة الى الحكومة، فرئيس المستقبل تقول اوساطه، لم يقبل بالمقايضة في رئاسة الحكومة مقابل التسوية الرئاسية ولا هويوافق اويشترط المقايضة في النسبية اليوم مقابل ترؤسه حكومة العهد الاولى.

إبتسام شديد - "الديار" - 4 آذار 2017

إرسال تعليق

 
Top