0
اختار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن تبدأ الزيارة الأولى الى قارة أوروبا من الفاتيكان، لينال البركة أولاً من قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس، ولينطلق من بعدها مسلّحاً بهذه البركة نحو الدول الأوروبية الأخرى، ناقلاً الصورة الحقيقية عن هذا البلد الشرق- أوسطي الذي يُمثّل النموذج الفريد عن العيش المشترك في المنطقة، وحاملاً معه هموم لبنان واللبنانيين من تداعيات أزمات دول الجوار عليه.

وأجاد الرئيس عون في اختياره هذا، على ما تقول أوساط ديبلوماسية مواكبة، كون لبنان بأمسّ الحاجة اليوم الى دعم معنوي من الحبر الأعظم نظراً لأهمية الكرسي الرسولي في لبنان، ولأهمية هذا البلد، رغم صغر مساحته، في المنطقة ودوره على صعيد التعايش وحوار الحضارات والثقافات. وإذ اكتسى اللقاء أهمية سياسية ودينية وروحية بالغة، فإنّه حمل، على ما أكّدت، رسالة الى كلّ الدول الداعمة للإرهاب اليوم التي تغذّيه وتموّله من أجل أهداف كثيرة أبرزها تهجير المسيحيين من لبنان ودول الشرق الأوسط، بأن تتوقّف عمّا تقوم به، لأنّ الدول الأوروبية، وعلى رأسها الفاتيكان لن تسمح بذلك.

ففرنسا وبريطانيا وألمانيا وبلجيكا وسواها التي تعاني اليوم من هجرة السوريين اليها بفعل المعارك الجارية اليوم في سوريا بين الجيش النظامي والمعارضة المعتدلة، كما المعارضة المتطرّفة المسلّحة، على ما أشارت، باتت تتفهّم أكثر من السابق وضع لبنان، وما يعانيه من تداعيات الأزمة السورية عليه بحكم الجوار، وما يتكبّده بالتالي من أعباء جرّاء استضافة النازحين السوريين. ولهذا فهي لن تقبل بأن يتمّ تهجير سكّان البلد، بمن فيهم المسيحيين، لكي يسكنه النازحون من دول الجوار مثل سوريا والعراق وسواهما، حتى ولو كانت لا تزال تقف قلقة من مسألة إعادتهم الى بلادهم قبل الوقف النهائي لإطلاق النار أو هدنة مستمرّة، أو على الأقلّ التوصّل الى حلّ سياسي مبدئي للأزمة فيها.

والزيارات الأوروبية للرئيس عون التي ستلي زيارته الى الفاتيكان، والتي قد يبدأها بزيارة رسمية الى فرنسا، على ما تعتقد، لكن الإنتخابات الفرنسية تؤجّلها، ستُظهّر الصورة أكثر بالنسبة لدول العالم، بالنسبة الى ما سيكون عليه الوضع في لبنان في السنوات المقبلة. ففرنسا التي عانت أيضاً من الإرهاب خلال السنتين الماضيتين أصبحت تعمل، الى جانب سائر دول الإتحاد الأوروبي، من أجل عودة السلام الى منطقة الشرق الأوسط وأوروبا أيضاً. وهذا الأمر يصبّ في مصلحة لبنان، وحماية شعبه وبقاء المسيحيين فيه.

فلبنان منذ التاريخ يحمل دوراً استراتيجياً في المنطقة، وهذا ما ستعمل الدول الأوروبية على الحفاظ عليه، انطلاقاً من إرادة الحبر الأعظم بالحفاظ على هذا البلد المهم في الشرق، الذي يُشكّل مع الأراضي الفلسطينية والأردن مهد الحضارة المسيحية التي انطلقت من هنا الى كلّ دول العالم. ولا يُمكن بالتالي أن تفرغ من أبنائها المسيحيين لأي سبب من الأسباب، ولو كانت الدول الغربية تضع مسودات لخرائط جديدة لدول المنطقة.
غير أنّ قداسة البابا على علم بكلّ ما يجري في المجتمع الدولي من خلال المندوب الدائم للفاتيكان في نيويورك، ما يجعله يرفض كلّ ما تتخذه هذه الدول من قرارات تنال من حقوق دول الشرق، أو يقوم بتنبيهها لتغيّر مسارها. ويحقّ للحبر الأعظم بالتالي أن يحتج عليها بشكل أو بآخر، إذا ما وجد أنّها تُلحق الغبن بالمسيحيين في كلّ أنحاء العالم، كونه رأس الكنيسة الكاثوليكية والمخوّل بحمايتهم والحفاظ على حضورهم، أينما وُجدوا.

وما يُمكن استنتاجه من زيارة عون الى الفاتيكان، على ما أفادت الأوساط نفسها، أنّ البابا فرنسيس يقوم اليوم بكلّ ما في وسعه من أجل حماية لبنان (ودول الشرق) والحفاظ على أمنه ودوام استقراره من أي توتّرات قد تصيبه جرّاء بعض المخطّطات الدولية. فضلاً عن التشديد على أهمية أن يبقى هذا البلد لأبنائه، مهما استضاف من نازحين ولاجئين ومحتاجين على أرضه، وإن استمرّت إقامتهم لسنوات، فمن المهم جدّاً أن يبقى كلّ شعب في وطنه. كما أنّ قداسته جاهز لأنّ يُدافع من موقعه عن هذا البلد الذي يحتلّ مكانة مميّزة في قلبه، من دون أن يعرفه بعد، ولهذا قرّر زيارته قريباً، من دون تحديد أي موعد لهذه الزيارة، وإن جرى الحديث عن أنّها قد تحصل في أيّار المقبل. 

غير أنّ أوساطاً كنسية أوضحت أنّ الأمر يتعلّق بأجندة البابا فرنسيس من جهة، كما بالوضع الأمني في المنطقة ككلّ من جهة ثانية، وأنّه ليس لديها معلومات عن زيارة مقرّرة لأسقف روما في أيار المقبل، لهذا «علينا الإنتظار» لكي تنضج ظروف هذه الزيارة. ولفتت الى أنّه عند أول إشارات ملموسة لتحسّن الأوضاع في المنطقة، ستضع دوائر الفاتيكان موعداً محدّداً لزيارة البابا فرنسيس الى لبنان. علماً أنّه شخصياً لا يكثرث الى مثل هذه الأمور، وإذا ما قرّر المجيء فلن توقفه أي أوضاع أمنية معقّدة.

وقالت بأنّه ما دام لبنان حاضراً دائماً في وجدان قداسته، فلن يتأخّر عن تلبية دعوة رئيس الجمهورية، لافتة الى أنّ زيارة عون الى الفاتيكان أعطت دفعاً قوياً ليس لمسيحيي لبنان فقط إنّما أيضاً لمسيحيي الشرق. فهي دعوة لكلّ مسيحيي المنطقة للتشبّث في أرضهم، وعدم تركها للآخرين من معتدين ومحتلّين ومتطرّفين، تحت أي ضغوطات.

وطمأنت بأنّه ما دامت عين قداسة البابا فرنسيس على لبنان، وكونه سيبقى «بلد- الرسالة»، على ما وصفه البابا الراحل القديس يوحنا بولس الثاني، ولأنّ لديه «مكانة خاصّة» في قلب البابا فرنسيس الذي أخبر الرئيس عون بأنّه «يُصلّي دائماً من أجل لبنان»، ما يجعله في قلب خليفة يسوع المسيح على الأرض، فإنّ أبواب الجحيم لن تقوى عليه. 

دوللي بشعلاني - "الديار" - 19 آذار 2017

إرسال تعليق

 
Top