كانت لحظة تخلٍ وخطأ فادحا ارتكبه تحالف القوى السياسية في الحكومة ومجلس النواب عندما اتفقت في ما بينها على تقديم محاولة رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل "كبش محرقة"، هرباً من سلسلة الرتب والرواتب وفرض الضرائب غير الشعبية في آن واحد. لم يكن النائب الشاب في أجمل أحلامه يتوقع هدية كبيرة مماثلة، تجعله رئيساً متوجاً للمعارضة في الشارع ومجلس النواب، بعد إبعاد الكتائب عن الحكومة ومحاولة عزلها من جديد.
يعود انشداد سامي الجميّل إلى فكرة إعادة حزبه للشارع المدني إلى التسعينيات، أيام تشكيله مع عدد من رفاقه في جامعة القديس يوسف وسواها مجموعة طالبية ("لبناننا") شاركت في النضالات زمن القهر الأمني السوري – اللبناني المشترك حتى ما بعد 14 آذار 2005 وانسحاب الجيش السوري، وكان الحزب الرسمي آنذاك مع النظام. باغتيال الوزير الواعد في الكتائب والدولة شقيقه بيار الجميّل وجد سامي نفسه أمام مشيئة القدر والكتائبيين المحتاجين إلى قيادة شابة تحمل المشعل، تحيي حزبهم الهرم أو يموت كسائر أحزاب زمن الانتداب. والكتائب بين هلالين جرّب سبعة رؤساء من غير عائلة الجميّل ولم يعاود الحياة لأسباب منها تعلق اللبنانيين التقليدي ببيوت سياسية. والثوّار سابقاً على هذا الواقع تحوّلوا بيوتاً سياسية هم أيضاً. وأن تكون سياسياً في لبنان يعني أن تفهم اللبنانيين الذين يعبّرون همهمة وأحياناً قليلة يرفعون عقيرتهم بالصياح كما فعلوا أمس في وسط بيروت.
يعود انشداد سامي الجميّل إلى فكرة إعادة حزبه للشارع المدني إلى التسعينيات، أيام تشكيله مع عدد من رفاقه في جامعة القديس يوسف وسواها مجموعة طالبية ("لبناننا") شاركت في النضالات زمن القهر الأمني السوري – اللبناني المشترك حتى ما بعد 14 آذار 2005 وانسحاب الجيش السوري، وكان الحزب الرسمي آنذاك مع النظام. باغتيال الوزير الواعد في الكتائب والدولة شقيقه بيار الجميّل وجد سامي نفسه أمام مشيئة القدر والكتائبيين المحتاجين إلى قيادة شابة تحمل المشعل، تحيي حزبهم الهرم أو يموت كسائر أحزاب زمن الانتداب. والكتائب بين هلالين جرّب سبعة رؤساء من غير عائلة الجميّل ولم يعاود الحياة لأسباب منها تعلق اللبنانيين التقليدي ببيوت سياسية. والثوّار سابقاً على هذا الواقع تحوّلوا بيوتاً سياسية هم أيضاً. وأن تكون سياسياً في لبنان يعني أن تفهم اللبنانيين الذين يعبّرون همهمة وأحياناً قليلة يرفعون عقيرتهم بالصياح كما فعلوا أمس في وسط بيروت.
بعَيد الانتخابات البلدية، تحت شعار "بيروت مدينتي"، ونتائج طرابلس وبعلبك وبلدات شتى، حسم سامي الجميّل قراره إدخال الكتائب نسيج المجتمع المدني. واجهته عقبة أن هذه البيئة المشكَلة من جمعيات وهيئات شديدة التنوّع والمتناقضة حيال نقاط كثيرة كانت تلتقي عملياً على شعار "كلّن يعني كلّن". يعني أن جميع الأحزاب والسياسيين متشابهون في الفساد وسرقة المال العام وجيوب المواطنين الفقراء ومتوسطي الحال ولا ثقة بأي منهم. تأكيداً لصدقيته وبراءة حزب الكتائب من المشاركة في الفساد وتغطيته عزم النفس ورفاقه على الاستقالة عند أول مناسبة من حكومة الرئيس تمام سلام التي كانت تقوم مقام رئيس الجمهورية. وهكذا صار. تلقى سامي الجميّل الذي كان حديث العهد بتولّي رئاسة الحزب بصدره سيل انتقادات داخل الكتائب وخارجها، وامتنع أحد وزيري الحزب سجعان قزي، وهو بمفرده ماكينة إعلامية، حملة شعواء ضد قرار الاستقالة. وعندما خاض حزب الكتائب تجربة وقف إنشاء مطمري النفايات في برج حمود وشاطئ الجديدة والاستعاضة عنهما بفرز لامركزي تتولاه البلديات على غرار بكفيا، أغرقه أطراف الحكومة والشركاء في "سوكلين" في مواجهة مع الناس الذين أزعجهم ترتيب إقفال مطمر برج حمود. في النتيجة تراجع الكتائب عن معركة لم يقف فيها معه أي حزب أو تيار. وازداد اقتناع سامي الجميّل بنظافة شباب ووجوه وشخصيات كثيرة من "المجتمع المدني" تعرف إليهم وساندوه تلك الحقبة.
لعلّ حديثاً غير مخصص للنشر في مرحلة التجاذب "المستقبلي" – "القواتي" على تأييد ترشيح الجنرال ميشال عون أو النائب السابق سليمان فرنجية يوضح أكثر جوانب من شخصية رئيس الكتائب الشاب. قال:"يستحيل أن ننتخب عون أو فرنجية . هما من قوى 8 آذار بصرف النظر عن العلاقة الشخصية مع أي منهما. نختلف مع كل منهما على سلاح "حزب الله" والموقف من النظام السوري". ولكن يُشيعون أنك ستؤيد فرنجية في النهاية. "فليقولوا ويشيعوا ما يريدون. هذا موقفنا النهائي"، أجاب. ولكن أمامك تحالف كبير يقولون إنه 86% من المسيحيين والانتخابات النيابية على الأبواب، ويمكن أن يدفع حزب الكتائب الثمن غالياً. وكان جوابه: "وإذا خسرنا ، أين المشكلة؟ نظل نعلن اقتناعاتنا وأفكارنا ونكوّن معارضة وفي الانتخابات التالية نربح. هل نعمل سياسة من أجل مقاعد نيابية ووزارية ومواقع في الدولة؟ أبداً لا نستطيع التخلي عن مبادئنا. هي في أي حال ليست ملكنا لنتخلى عنها". تراكم المواقف المبدئية وأخطاء العهد وحكومته الأولى حققا أمنية غالية أخرى للنائب الشاب، أن تعود الكتائب إلى نقاوة الانطلاقة والعمل بين الفقراء في الثلاثينيات والأربعينيات، أيام كان الشيخ بيار الجميّل، الجدّ المؤسس، يصدر بيانات تنشرها جريدة "العمل" على صفحتها الأولى تحت عنوان: "يا عُمّال لبنان اتحدوا".
إيلي الحاج - "النهار" - 20 آذار 2017
إرسال تعليق