بات واضحاً أن مخالفة الدستور هي التي أدّت الى تعريض لبنان لكل هذه الأزمات وعند كل استحقاق. فانتخاب رئيس للجمهورية واجه أزمة لأن نواباً أجازوا لأنفسهم التغيّب عن جلسات انتخابه من دون عذر مشروع وأصرّوا على أن يتم انتخابه بالتوافق وليس بالاقتراع السري كما نص الدستور. وتأليف الحكومة لم يكن يتم كما في السابق، أي بالاتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، بل بالاتفاق بين الأحزاب والكتل التي تولّت هي عملية التأليف وتسمية من تريد وزيراً يمثّلها واختيار الحقيبة له، بحيث لم يعد لرئيس الحكومة المكلف سوى دور ساعي بريد ولرئيس الجمهورية سوى توقيع مرسوم تأليفها.
ولم تتحمل الحكومة مسؤولية سن قانون جديد للانتخاب وإحالته على مجلس النواب لمناقشته واتخاذ قرار في شأنه، إمَّا المصادقة عليه وإمَّا تعديله أو رفضه، بل تركت هذه المهمة للأحزاب والكتل كي تتفق على سن هذا القانون. وتبين بعد سنوات أن اتفاقها شبه مستحيل لأن كل حزب يريد أن يكون القانون على قياسه ولا تكون قيمة لصوت الناخب. وقد مرّت المهل الدستورية من دون التوصل الى اتفاق على القانون لا في مجلس الوزراء ولا بين الأحزاب والكتل، ولا تولّى مجلس النواب حسم الخلاف بالتصويت على المشاريع المحالة عليه كي تجرى الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري، ولا يظل شبح الفراغ يحوم فوق رأس هذه السلطة أو تلك ليفرض حلول الأمر الواقع. وخالف نواب وأحزاب الدستور عندما قبلوا بما سمّي "تشريع الضرورة قبل انتخاب رئيس للجمهورية الذي يتقدّم انتخابه أي أمر آخر.
ولم تتحمل الحكومة مسؤولية سن قانون جديد للانتخاب وإحالته على مجلس النواب لمناقشته واتخاذ قرار في شأنه، إمَّا المصادقة عليه وإمَّا تعديله أو رفضه، بل تركت هذه المهمة للأحزاب والكتل كي تتفق على سن هذا القانون. وتبين بعد سنوات أن اتفاقها شبه مستحيل لأن كل حزب يريد أن يكون القانون على قياسه ولا تكون قيمة لصوت الناخب. وقد مرّت المهل الدستورية من دون التوصل الى اتفاق على القانون لا في مجلس الوزراء ولا بين الأحزاب والكتل، ولا تولّى مجلس النواب حسم الخلاف بالتصويت على المشاريع المحالة عليه كي تجرى الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري، ولا يظل شبح الفراغ يحوم فوق رأس هذه السلطة أو تلك ليفرض حلول الأمر الواقع. وخالف نواب وأحزاب الدستور عندما قبلوا بما سمّي "تشريع الضرورة قبل انتخاب رئيس للجمهورية الذي يتقدّم انتخابه أي أمر آخر.
لقد كان القادة والأحزاب والكتل النيابية في الماضي يحترمون الدستور نصاً وروحاً، فلم يواجه لبنان أزمات كما اليوم، لا في الانتخابات الرئاسيّة ولا في الانتخابات النيابية ولا حتى في تأليف الحكومات إلّا عندما يتعثّر تأليفها لأسباب لا علاقة للدستور بها، ولا أن يكون مجلس النواب هو المكان الطبيعي لحسم الخلاف على المشاريع المهمّة بالتصويت. فالنائب كان يمارس حقه في انتخاب رئيس الجمهورية إمّا بتسميته وإمّا بالقاء ورقة بيضاء في صندوق الاقتراع. وكان يمارس حقه عند تأليف الحكومات بقبول الاشتراك فيها أو بحجب الثقة عنها أو منحها إيّاها. وكانت الأكثرية النيابية هي التي تحكم والأقليّة تحاسبها، حتى إذا كانت هذه المحاسبة ترضي الناس تحوّلت الأقليّة في الانتخابات النيابية أكثرية وحكمت، والأكثرية تصبح أقلية تحاسب هي بدورها وتعارض. وكان مجلس الوزراء يقر المشاريع بالتصويت عندما يتعذّر التوافق. أمّا اليوم فصار انتخاب رئيس الجمهورية في حاجة الى توافق وتأليف الحكومة في حاجة الى توافق، وكل قانون مهم يحتاج أيضاً الى توافق ولا يطرح على مجلس النواب لحسمه بالتصويت كما هو حاصل الآن مع قانون الانتخاب لئلّا يهدّد من لا تعجبهم نتائج التصويت بالشارع وحتى بحرب أهلية... في حين كانت الأقلية في الماضي ترضخ لرأي الأكثرية. فهل قانون الانتخاب أهم من اتفاق الطائف عندما أصبح دستوراً بموافقة الأكثرية المطلوبة ورضوخ الأقليّة لقرار الأكثرية، ولم تهدّد الأقليّة بالويل والثبور وعظائم الأمور كما يفعل اليوم من يرفضون قانوناً حتى وإنْ أقرّته الأكثرية المطلوبة إذا لم يعجبهم ويصبح الشارع هو مكان اعتراضهم عليه وليس مجلس النواب، ربما لأنه في نظر بعضهم لم يعد يمثل الشعب تمثيلاً صحيحاً بعد التمديد له مرتين لكي يؤخذ برأي الأكثرية بل بالتوافق. لكن أصحاب هذا الرأي ينسون أن هذا المجلس انتخب رئيساً للجمهورية ومنح الثقة للحكومات وأقر مشاريع مهمّة، وقد يقر قريباً مشروع الموازنة العامة وهو من المشاريع التي لا تقل أهمية عن قانون الانتخاب.
لذلك فلا حل للأزمات التي تواجه لبنان على غير عادة إلّا بالعودة الى الدستور واحترام أحكامه نصاً وروحاً، ولتعمل كل سلطة عملها ولا تتدخل في شؤون سلطة أخرى. وإذا كانت المواضيع التي عدّدتها المادة 54 من الدستور والتي تشترك الثلثين للموافقة عليها عند تعذر التوافق لا تكفي، فليتفق النواب على المواضيع التي يجب أن تضاف إليها لتصبح موافقة الثلثين شرطاً لإقرارها عند تعذر التوافق، ولا تكون الأكثرية العادية أو المطلقة كافية لذلك لأنها تكون غير ممثلة لغالبية القوى السياسية والأساسيّة في البلاد ولغالبية الطوائف. أما إذا ظلّت الأقليّة لا ترضخ للأكثرية لا في الانتخابات النيابية ولا في انتخاب رئيس الجمهورية ولا في منح الحكومة الثقة ولا في التصويت على المشاريع التي يتعذّر التوافق عليها، فعلى النظام الديموقراطي السلام...
إميل خوري - "النهار" - 7 آذار 2017
إرسال تعليق