لو ان المسؤولين الذين تعاقبوا على الحكم منذ حوالى 30 عاما، نفذوا جزءا من واجبهم في محاربة الفساد، لكان بالامكان اليوم انجاز موازنة عامة قادرة على مواجهة متطلبات الدولة والشعب، بكلفة اقل بكثير من الكلفة المعضلة التي تحضرها هذه الحكومة لاغراق الشعب اللبناني بضرائب هي بحدّ ذاتها ضربة قاضية على معيشة المواطنين وعلى الاقتصاد والصناعة والنموّ، والتقدّم.
ولو ان السلطة، لم تتواطأ مع الحيتان الذين استولوا على الاملاك العمومية البحرية والنهرية، وتلزمهم بدفع ثمن جرائمهم سجنا وتعويضات، ما كان الذين استولوا على الاملاك العامة في منطقة الرملة البيضاء، وبدأوا بتشييد بناء ضخم تحت نظر قوى الامن وسمعها يكملون عملهم، على الرغم من صدور قرارين لمجلس شورى الدولة بوقف اعمال البناء، وقرار مماثل لقضاء العجلة، ومثلها لمحافظ مدينة بيروت.
ولو لم تتغلب احيانا العصبية الطائفية والمذهبية، على الشعور بالمسؤولية وينتصر الجشع المادي على مناقبية الخدمة العامة لدى من تولوا المقدّرات العامة ما كان لبنان مضطرا اليوم الى دفع 800 مليون دولار مقابل تنظيف بحيرة الليطاني ومجراها، والتفتيش عن مبالغ مماثلة لتنظيف مجرى نهر بيروت ونهر الكلب وغيرهما من الانهار التي لم تعد صالحة حتى للري.
ولو ان اهل الحكم، كانوا على قدر المسؤوليات المعطاة لهم، وحموا مؤسساتهم التي تبيض ذهبا للدولة، مثل المطار والمرفأ والادارة العامة ويفتحوا الابواب امام السماسرة والمقربين، واصحاب السلطان على الارض، ما كانوا يلاحقون الفقراء لينتزعوا منهم حتى رغيف الخبز.
فضيحة الكهرباء، ومأساة اهل شكّا وضواحيها، وسموم معمل الذوق، هي السابقة المميتة التي يحاول اصحاب معمل الاسمنت، ان يكرروها في محيط عين دارة، وهي التي تكشف تآمر الطبقة السياسية على صحة اللبناني وحياته، وبدلا من ان تذهب حكومة العهد الاولى مباشرة الى فتح ملف الفساد والصفقات قبل البحث بالموازنة وبأي شيء اخر، وتنتزع تمويل الموازنة من اشداق الحيتان، تكذب على العمّال والاساتذة والموظفين، وتحمّل الفقراء ما لا طاقة لهم على حمله، والانكى من كل هذا ان هذه الحكومة بدلا من ان تحمي الموظف النشيط النظيف المتفاني في عمله، ليكون خميرة الاصلاح والتغيير، تتجاهل اقدام وزير على الانتقام من مديرة في وزارة يشرف عليها هي غلوريا ابو زيد مديرة المشروع الاخضر والتعاونيات في وزارة الزراعة لأنها قامت بواجبها في رفض الفساد والفاسدين.
اوقفوا مهزلة الموازنة، وابدأوا بتنظيف الدولة والادارة والحكم من الفساد والفاسدين، واذا لم تستطيعوا إلزام السارقين بإعادة مال الدولة الى الدولة، فعلى الاقل اوقفوا الفساد والسرقات «واملأوا واردات الموازنة من مال الخزينة المهدور» على ما قاله البطريرك الماروني بشاره الراعي.
فؤاد أبو زيد - "الديار" - 13 آذار 2017
إرسال تعليق