0
كان مفاجئاً أن تنشر إحدى الصحف العربية مضمون لقاء لرئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي روبرت كوركر الذي زار بيروت الأسبوع الماضي مع رئيس الحكومة سعد الحريري، سمع فيه الديبلوماسي الأميركي الرفيع وبرفقته سفيرة بلاده إليزابيث ريتشارد أن من يحدد سياسات لبنان الخارجية هو مجلس الوزراء ومن يتحدث باسم مجلس الوزراء هو رئيسه، وأنه يعلن بموجب ذلك التزام لبنان القرارات الدولية ولا سيما منها القرار 1701 والقرار 1559 الذي ينص على نزع سلاح الميليشيات، وكان في ذلك الموقف يحاول دفع ضيفيه إلى تجاوز إعلان رئيس الجمهورية ميشال عون أن سلاح "حزب الله" هو مكمل للجيش اللبناني بفعل عدم قدرته على مواجهة إسرائيل، الأمر الذي أثار أسئلة عملت الديبلوماسية اللبنانية على تبديدها بما أمكنها، ومبعث المفاجأة أن التسريب حصل بشكل مقصود نظراً إلى حساسية الموضوع، وأن لا سابقة في مرحلة ما بعد الطائف يمكن الإستناد إليها للقول إن من يحدد السياسة الخارجية للدولة هو مجلس الوزراء وإن من يتحدث باسم مجلس الوزراء ويعبّر عن سياسة الدولة هو رئيس الحكومة وليس رئيس الجمهورية في حالة الرئيس عون. وما كان لهذا التعارض في المواقف أن يقع لو لم يكن الموضوع حساساً ودقيقاً جداً ويحتمل أن ينعكس على مصالح لبنان مع الدول الغربية والعربية، وقد تناوله الرئيس عون من وجهة نظر منتقدي موقفه كمن يرد جميلاً ودفعةً أيضاً إلى الحزب الذي سلّفه كثيراً في مرحلة ترشحه للرئاسة، وكانت مرحلة طويلة منذ عودته إلى لبنان عام 2005.
وبدا أن لبنان الرسمي دخل آنذاك منطقة مطبات هوائية عرضاً ومن غير استعداد بعدما أخذ لسنوات مسار استقرار على أساس أن موضوع سلاح "حزب الله" يبحث فيه اللبنانيون في ما بينهم بسياق مناقشة "استراتيجية دفاعية" للبلاد، وعرف الرئيس ميشال سليمان أن يتعامل مع هذا السلاح على أنه أمر واقع، ولا بد من السعي إلى التكيف مع صفته هذه وليس القبول به وتغطيته رسمياً من أجل التخفيف من أضراره على لبنان وشعبه، وبقفزة واحدة بدا من كلام الرئيس عون أن الدولة انتقلت إلى تغطية سلاح "حزب الله" وشرعنته من خلال مساواته بسلاح الجيش اللبناني الشرعي وتبني سياسة الحزب الإقليمية رغم أنها تعرض البلاد لإحراجات شتى. 
دفع هذا التطور المفاجئ إلى سؤال قيادات دول صديقة للبنان أين صار مآل حديث قيادات اللبنانية أقنعتها بأن العماد عون رئيساً سيبتعد عن سياسة "حزب الله" الذي لا ينفك يهاجمها في السر والعلن، وفي لبنان وخارجه.
فاقمت الأسئلة ما ظهر من مؤشرات إلى قرار سعودي بالعودة إلى الاهتمام الجدي بمواضع الضعف الذي ظهر نتيجة لسياسة الانكفاء التي اتبعتها المملكة العربية وتوجتها بحصر الانهماك مدة طويلة بالخطر المباشر الذي تشكل ضدها في جارها اليمن غير السعيد. ولعلّ بداية ترجمة السياسة الجديدة بالجوار الأقرب والأبعد زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لبغداد بعدما ساد اعتقاد بأن الرياض تخلت عن العراق للنفوذ الإيراني، وكذلك عن لبنان بدليل تعاملها مع أبرز حلفائها فيه الرئيس الحريري وتياره "المستقبل" المتروك تحت غيوم الشكوك في المستقبل، والمنتظر زيارة لرئيسه إلى السعودية قد تأتي دعوة رسمية إليها بين أسبوع وآخر.
وتضافرت جهود من أكثر من صوب للفلفة الضجة التي أحرجت إلى الحريري جميع الحلفاء الذين ساهموا في إقناع دول خليجية وغربية بإعطاء البركة لعملية انتخاب رئيس للجمهورية والإتيان بحكومة يتمتع فيها "حزب الله" بوزن كبير يتعدى الثلث بكثير، وفي السياق سمع المسؤول الأميركي كوركر تطرية في بعبدا من الرئيس عون إذ قال إنه "حريص على استمرار العلاقات اللبنانية - الأميركية والتعاون بما يساعد في استقرار لبنان"، متمنياً أن "يستمر الدعم الأميركي للجيش اللبناني عدة وعتاداً كي يصبح قادراً وحده على الدفاع عن لبنان، لا سيما أنه لا يوجد راهناً أي توازن بين قدرات الجيش اللبناني وقدرات جيوش الدول المحيطة بلبنان". وسرعان ما ظهرت مقالة جريدة "وول ستريت جورنال" التي لوحت بتجديد العقوبات الأميركية على مصارف لبنانية بذريعة التعامل مع "حزب الله"، كأن المصارف الخائفة من استناد الموازنة العتيدة إلى قضم جزء من أرباحها، مثلها مثل القطاعات العقارية والسياحية، كان ينقصها وينقص لبنان.

ايلي الحاج - النهار 3 اذار 2017

إرسال تعليق

 
Top